الوصف
ثمة زمرة من المثقفين الهيغلين الكبار كان من قدرهم أن غمطوا حقهم من جهة عناية الدارسين بفكرهم وتثمير نظرياتهم وبين شهرة فلسفة الأب الروحي النظرية – هيغل (1770-1831)وشهرة فلسفة الابن الروحي العملية- ماركس (1818-1883) بقي هؤلاء في طي الغمرة خاملي الذكر نكرة لقد ” أميت هؤلاء المثقفون ميتتين أولاهما : أنه في الوقت الذي كان فيه هؤلاء المثقفون الهيغليون يعملون الفكر في تواضع النظر وكان الواحد منهم يلهم بدروسه العظيمة عن فينومينولوجيا الروح لهيغل (1933-1939) أبرز ممثلي النخبة المثقفة الفرنسية التي أغنت أنظار الفكر الغربي ولا زالت تغني أنظار جورج باتاي وجاك لاكان و جان فال و ريمون آرون كانت للفلسفة الوجودية بمختلف ألوان طيفها أجراس وصولات ومريدون و أتباع و ثانيهما : أنه اليوم أيضاً و في زحمة احتفاء بعض دعاة الفكر الليبرالي المتطرف بما أسموه ” نهاية التاريخ ” و ذلك مع بدء عهد سيادة اقتصاد السوق بلا منازع فإن القارئ العربي و الغربي على حد سواء ألف أن يقرن بين هذه الدعوى الذائعة الصيت وبين اسم المفكر الأمريكي الياباني الأصل فرانسيس فوكوياما معيداً قدر خمول الذكر الذي رافق هؤلاء المثقفين مفوتاً عليه الفرصة على إحقاق أصحابها الأصليين حقهما من العرفان و حتى لا يموت هؤلاء المثقفون ميتة ثالثة يجد القارئ في هذا الكتاب محاولة للنظر في فكر اثنين منهما – ألكسندر كوجيف (1902-1968) و إريك فايل (1904-1977) الذين نظرا في أمر ” الحداثة ” بأدق نظر و الذين تجرأ على إعلان ” نهايتها ” بل ” نهاية الفلسفة ” و ” نهاية التاريخ “و ذلك بما لم يجرؤ عليه أحد من قبلهما و بما لم يدركه أحد من بعد غور بعدهما.وهو نظر لم يكتف فيه المؤلف بمجرد الوقوف على أنظار هذين المفكرين الهيغلين- الذين أسسا لأحد أعرق مدارس الفكر الفلسفي الحديث التي صارت تعرف اليوم باسم ” المدرسة الهيغلية الفرنسية “- في شأن ” الحداثة ” بالوصف و التحقيق و إنما تجاوز ذلك إلى محاولة ” تأصيل ” أنظارهما بدءاً من ” بسائط المفاهيم ” التي استندا إليها و ” استشكال ” أمر نظرهما في شأن ” الحداثة ” وذلك ليس بتتبع ” ما فكرا فيه ” ونظرا و إنما أيضاً باستطلاع طلع ” ما لم يفكر فيه ” و أعرضا : عنينا ظاهرة ” العدمية ” – ذاك الضيف غير المحبوب الذي ما فتئ يهدد الحداثة أكبر تهديد.