الشبكة العربية تصدر كتاب (قصور الاستشراق) للبروفيسور وائل الحلاق
صدر حديثا عن الشبكة العربية للأبحاث والنشر كتاب (قصور الاستشراق: منهج في نقد العلم الحداثي) للبروفيسور وائل الحلاق. يعد هذا الكتاب الثاني الذي أصدره الحلاق بعد كتاب (الدولة المستحيلة) الصادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.
تولى ترجمة الكتاب الدكتور عمرو عثمان أستاذ التاريخ المشارك بقسم العلوم الإنسانية بجامعة قطر.
وخص البروفيسور وائل الحلاق النسخة العربية التي صدرت تقريبا بالتوازي مع صدور النسخة الإنجليزية عن مطبعة جامعة كولومبيا ، بمقدمة خاصة بالقارىء العربي، أكد فيها أن كتاب قصور الاستشراق هو دراسة في أصول المعرفة الحديثة ونَسبِها، ما يعني أنه يغوص في أعماق ما نفهمه وندركه ونشعر به بوصفنا أفرادا حداثيين يعيشون في العالم الإسلامي أو غير الإسلامي. إن فهم هذه الأصول يعني فهم الطريقة التي أصبحنا ننظر فيها إلى العالم بالطريقة التي ننظر بها إليه الآن. إنها تعني أن يفهم كل فرد منا هويته، أي من هو. فأغلب سكان العالم اليوم، لا سيّما سكان المدن، هم حداثيون حتى النخاع، في الوقت الذي لم يكونوا فيه كذلك قبل قرن أو قرنيْن مضيا من الزمان. ندين لأنفسنا إذا في فهم ما حدث لنا وماهية التغيرات التي طرأت علينا، وما فقدناه وما جنيْناه، وما كنا وكيف أصبحنا.
يركز كتاب قصور الاستشراق كما يشير الحلاق على الغرب بحق، بيد أنه يتناول أيضا الرجل الحداثي والمرأة الحداثية والطفل الحداثي والعالم المادي الحداثي، وعن سلامتنا العقلية والبدنية، وعن مجتمعنا وجماعتنا البشرية، وعن أسرنا وأبنائنا، وعن نمورنا وأفيالنا، وجبالنا وأشجارنا وأنهارنا. إن العيش في العالم اليوم ليس تجربة بريئة على الإطلاق. فلا يوجد بالغ في عالم اليوم بريء. فكل شخص مسؤول، ما يحتم على أي شخص ذي عقل – سواء كان متدينا أو غير ذلك – أن يواجه هذه القضايا والمآسي. يجب على كل شخص أن يواجه نفسه أو نفسها.
يُعد الكتابان إذا – الدولة المستحيلة وقصور الاستشراق – دعوة لإعادة التفكير والنقد ومحاولة إيجاد حلول لحياة أفضل من خلال الانفتاح الواعي على كل الاحتمالات والمجالات المعرفية. إن الدفاع عن الدولة الحديثة وعن أشكال المعرفة الحديثة (وهي موضوعات النقد في هذيْن الكتابين) ليس إلا دفاع عن الفظاعات التي ارتكبناها ضد أنفسنا وضد العالم نفسه الذي نعيش فيه. ومن يستطيع أن يُنكر أنه في القرن الأخير فقط أضحيْنا – ولأول مرة في التاريخ – نمارس الإبادة الجماعية ونضطهد البشر الآخرين بصورة ممنهجة وندمر بيئتنا الطبيعية التي هي أقدس أمانة مُنحنا إياها منذ أن وعى الإنسان ذاته؟
في هذا الكتاب يقدم حلاق دراسة لأصول المعرفة الحديثة ونَسبِها، وكما يقول هو يسعى للغوص في أعماق ما نفهمه وندركه ونشعر به بوصفنا أفراداً حداثيين يعيشون في العالم الإسلامي أو غير الإسلامي، وأن فهم هذه الأصول يعني فهم الطريقة التي أصبحنا ننظر فيها إلى العالم بالطريقة التي ننظر بها إليه الآن. إنها تعني أن يفهم كل فرد منا هويته.
ويُضيف حلاق:
إن كتاب قصور الاستشراق هو الفضيحة التي تُعرّينا وتُعرّي من فرض الكولونيالية علينا، إذ أنه يُعيد تعريفنا وتعريفه هو. فإذا كنا أفرادا حداثيين – ونحن كذلك بالفعل – فمن نحن؟ من أين حصلنا على هذه الهوية كأفراد حداثيين؟ ما معنى أن نكون حداثيين؟ كيف يؤثر كوننا حداثيين علينا وعلى العالم الذي نسكنه؟ ما هي المسؤوليات التي فقدناها ونسيناها في الوقت الذي كنا نتحول فيه إلى أفراد حداثيين؟ ما الذي ندين به لأنفسنا؟ وما الذي ندين به للعالم؟ وما الذي ندين به للمخلوقات التي تشاركنا هذا العالم؟ وما الذي ندين به لأبنائنا وبناتنا؟ وما الأذى الذي سببناه لكل من سبق؟ ولماذا نسعى للدمار؟ ولماذا تتزايد مشاكلنا الصحية والاجتماعية والمالية والبيئية بصورة مضطردة في الوقت الذي أضحت فيه علومنا وتكنولوجيتنا أكثر تقدما وتفوقا من أي شيء سبقهما في التاريخ الإنساني؟ لماذا يسبب كل هذا “التقدم” دماراً وخراباً أكبر لكل شيء تقريبا في العالم؟ كيف وصلنا لهذا الوضع؟ وأين نذهب من هنا؟ وكيف نحل هذه المشكلات التي صنعناها، نحن الحداثيون؟
يسعى هذا الكتاب إلى الإجابة عن كل هذه الأسئلة وأكثر منها. إن العيش في العالم اليوم ليس تجربة بريئة على الإطلاق. فلا يوجد بالغ في عالم اليوم بريء. فكل شخص مسؤول، ما يحتم على أي شخص ذي عقل – سواء كان متديناً أو غير ذلك – أن يواجه هذه القضايا والمآسي، ويجب على كل شخص أن يواجه نفسه.
إن هذا الكتاب يُقصد به كل رجل وامرأة يمتلكان العلم للاهتمام بطبيعة المعرفة اليوم. من أين تأتي هذه المعرفة؟ ما الضرر أو النفع الذي تسببه لنا؟ كيف تُقودنا هذه المعرفة إلى الحياة الصالحة القائمة على العدل والقسط أو تُبعدنا عنها؟ كما يُقصد بهذا الكتاب بكل تأكيد المفكرين والمثقفين في المراحل العمرية المختلفة. بيد أنني الآن، في اللحظة التي أكتب فيها هذه السطور، أفكر في الجيل الصغير بصورة أساسية، في هؤلاء الذين نأمل أن يعيشوا في المستقبل في وضع أفضل من ذلك الوضع التي عشتُ فيه وعاش فيه جيلي. فهؤلاء هم ورثة هذا العالم الذي سنتركه لهم بعد أن يغيّبُنا الموت. ولهؤلاء، لشباب المسلمين والعرب الصاعد، أهدي هذا الكتاب.