حال الطبيعة

مراحل المجتمع: التاريخ التصوري في عصر التنوير والخطاب الاجتماعي الحديث

فرانك بلمري

        يتألف الكتاب من مقدمة، وسبعة فصول، وخاتمة، وثلاثة ملاحق.

       تمهد مقدمة الكتاب لمفهوم التاريخ التصوري للحياة الاجتماعية الباكرة بوضع سرديات لا تقوم على وثائق ولا دلائل مادية، وتشرح شكله وروحه المستمرة في كتابة التاريخ، ويدخل الفصل الأول في صلب الموضوع، وهو كتابة التاريخ التصوري في عصر التنوير، ويتناول الفصل الثاني علاقة التاريخ التصوري بالاقتصاد السياسي وفكرة التقدم، ويركز الفصل الثالث على إسهامات هربرت سبنسر وأوغست كونت في تأسيس علم المجتمع، ويتتبع الفصل الرابع أصول الثقافة والأنثربولوجيا، ويهتم الفصل الخامس بإسهامات داروين ونيتشه في التاريخ التصوري للحياة الاجتماعية، ويهتم الفصل السادس بدور علم النفس الاجتماعي في فهم الدين، ويتناول الفصل السابع الروايات الأدبية باعتبارها تواريخ تصورية.

ما هي الأفكار الرئيسية التي ينبني عليها الكتاب؟

الكتاب عبارة عن دراسة تاريخية لأشكال التاريخ التصوري عن الحياة الاجتماعية البشرية، ويدلل الكاتب على وجود هذا التوجه النظري التصوري للتاريخ في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، ويكشف الكتاب عن أصول التاريخ التصوري، ثم يكشف عن انتشار الاهتمام بالتاريخ التصوري (نيتشه وداروين)، وإصقاله في دراسات أسس الدين (فرويد)، وإحيائه بفضل الخيال الأدبي (زولا). واستمراريته في القرن العشرين(ويلز، توينبي، إشبنجلر).

ما هي وجهة نظر الكاتب التي يتحيز لها في كتابه؟

يرى الكاتب أن التاريخ التصوري يفتح المجال للنظريات والافتراضات، ويمدنا برؤى فكرية بديلة ونماذج معرفية جديدة. وتعود أصول كتابة التاريخ التصوري، من وجهة نظرة الكاتب، إلى جان جاك روسو، حيث ابتعد روسو في معالجته لموضوع اللامساواة عن سرديات سفر التكوين وقصة خلق الإنسان، كما اجتنب قصص التوراة والإنجيل عن تاريخ الحياة الاجتماعية البشرية قبل تدوين التاريخ. وسار على هذل النهج آدم سميث في “ثروة الأمم”، وديفيد هيوم في “التاريخ الطبيعي للدين”، وآدم فرجوسون في “مقالة عن تاريخ المجتمع المدني، وكوندروسيه في “موجز لصورة تاريخية عن تقدم العقل البشري” . هذه الكتابة الجديدة للتاريخ عززت إطار المعرفة الحديثة، حيث استبدلت سرديات التوراة والإنجيل عن المجتمعات الباكرة، وأحلت محلها معرفة تنتجها العلوم الاجتماعية.

     يرى الكاتب أن التواريخ التصورية استمرت إلى عصر التنوير، وغيّرت النموذج الفكري السائد، وحررت المجتمع من التفسيرات الدينية السائدة في الثقافات والمعتقدات التقليدية المسيحية. وتمثل الكتابات التاريخية التصورية في عصر التنوير  إنجازًا أساسيًّا للخيال التاريخي، ونموذجًا للعلوم الاجتماعية الباكرة، بل وللتفكير الاجتماعي والتاريخي، لاسيما عند داروين (أصل الإنسان)، ونيتشه (جينولوجيا الأخلاق) وفرويد (الطوطم والتابو).

يرى الكاتب أن الصلة بين التواريخ التصورية في عصر التنوير والنظرية الاجتماعية تتحدى الاعتقاد بأن التواريخ التصورية والأعمال التي تأثرت به تمثل خطًا مستقيما مناصرًا لثالوث الحداثة والتقدم والعلمنة. فهذه الكتابات كشفت عن تناقضات المنظومات المادية الرأسمالية الديمقراطية، كما يظهر في أعمال كارل ماركس وأوجست كونت وجون ستيوارت ميل وسيجموند فرويد، والأهم في كتابات ماكس فيبر عن “القفص الحديد” الذي يقع فيه أبناء المجتمعات الحديثة.

ما الذي يمثله هذا الكتاب من إضافات في حقله المعرفي؟

يقدم الكتاب تاريخًا فكريًّا  جديدًا يكشف عن الطرق التي شكلت بها النظريات الاجتماعية التصورية المعرفة العلمية الاجتماعية الحديثة، بما يشبه نظرية توماس كون عن بنية الثورات العلمية والنماذج التي تولِّد المعرفة. كما أنه يبرز تأثير التاريخ التصوري في الخطاب الاجتماعي في القرن الثامن عشر ومرورًا بالقرن التاسع عشر ووصولًا إلى القرن العشرين، وهذه فترة زمنية كبيرة للغاية تستلزم منهجًا يقوم على الربط بين مفكرين وفلاسفة يعيشون في حقب زمنية متباعدة، وقد حقق الكاتب ذلك بالاستعانة بفكرة النموذج المعرفي الذي لا يعتد بالتفاصيل ويركز على الرؤية العامة، بغرض الكشف عن استمرارية أنماط فكرية مهمة جرى إغفالها من قبل.

مضمون الكتاب مهم على مستوى المعلومات الكمية والنوعية، وهو يثري الجدل السائد اليوم حول دور النماذج المعرفية ومقدرتها التفسيرية المتجاوزة للتفاصيل واختلاف الحقب الزمنية وتباين الانتماءات الأيديولوجية والفكرية. كما أنه يدخل في صلب جدليات الدين والحداثة والتقدم والعلمنة.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق

السلة

لا يوجد منتجات في سلة المشتريات.