الوصف
بين محمد عابد الجابري وطه عبد الرحمن أكثر من نقطة تماس وبؤرة صراع، وقد بدأت بوادر الخلاف تظهر بين الرجلين، بشكل واضح وقوي، سنة 1978، بمناسبة افتتاح كلية الآداب والعلوم الإنسانية، التابعة لجامعة محمد الخامس بالرباط، سلسلة ندواتها الكبرى، بتنظيم ندوة “ابن رشد ومدرسته في الغرب الإسلامي”، حيث تقدم كل واحد منهما بورقة حول فيلسوف مراكش وقرطبة، حملت منذ البداية نقاط خلاف عميقة بين الرجلين؛ فإذا كان الجابري قد رافع في مداخلته على حاجتنا المعاصرة لابن رشد والرشدية، فإن طه عبد الرحمن لم يذخر جهدا للدفاع عن الموقف المناقض وهو عدم حاجتنا إلى ابن رشد ومدرسته، ما دام لم يكتب حرفاً من كتبه الكثيرة لنا، بل كل ما خطته يمينه من تواليف عديدة ألفه لغيرنا!
وإذا جاز لنا أن نختزل كل نقاط الصراع بين طه والجابري في نقطة توتر مركزية محددة فإننا نجازف بإمكانية اختزالها في كلمة واحدة وهي “الرشدية”، بلغة الجابري، أو “الرشدانية”، بلغة طه عبد الرحمن، ما دام موقف كل منهما من ابن رشد يعتبر مفتاحاً لفهم التناقض الجوهري بين مشروعيهما الفكريين.
تلك هي الفرضية الأساسية التي يسعى هذا الكتاب إلى فحصها وتحليلها.