يهتم فهمي جدعان في كتابه”خارج السرب”الصادر عن الشبكة العربية للأبحاث والنشر – بيروت بأدبيات ونشاطات”عصبة”من النساء المسلمات المهاجرات من البلاد الآسيويّة والأفريقيّة الى الحضن الأوروبي أو الكندي. وقد جاءت هذه”العصبة”بخطاب نِسوي معولم يلوم الإسلام على كل المصائب التي ألمّت بهن في أوطانهن، إن من ناحية الاستبداد”الذكوري”أو ناحية”المجموع الفقهي النسائي”الإسلامي المضادّ لعقل المرأة وكرامتها. ونحن مدينات للأستاذ جدعان بهذا الكتاب الذي له أكثر من فائدة. فالتوليفة الذكية التي درس بها نسوية رافضة كمدخل الى الإسلام المعولم، والتفكير الفلسفيّ بموضوع بات يلحّ علينا وهو”الإصلاح الإسلامي،”والشغل على المصطلحات لتفعيل خطاب تنويري، تجعل هذا العمل في عالمنا العربي والإسلامي على السواء، مرجعيّة في قضيّة”النِسوية الإسلامية”.
خصّص جدعان أول الفصول وأكبرها 57 صفحة للتعريف بوجوه تيار”النسِويّة الإسلامية”المتباينة بين الإصلاحيّة والتأويليّة والرافضة. حيث أخذت”الإسلاميّة الرافضة”جلّ اهتمامه بـ”البحث العلمي المحلّل، وبالمساءلة النقديّة”. واختار المؤلّف التيار المعاكس للمسلَّمات الدينية الإسلامية، ليس لتسويق الآراء المتطرّفة، كما أبدتها نسوة”مدينة الإسلام الكونيّة”، تّجاه الدين والمؤمنين به، لكن ربّما لإحداث نوع من الصدمة الداخليّة لدينا بسبب اللغة الوقحة والنقد اللاذع واللغة العنيفة التي لم تتردد هؤلاء النسوة باستخدامها. وغاية اختيار هؤلاء النِسويات الرافضات، هي للاعتراف بوجه من وجوه الإسلام المعولم، ووجه من وجوه فهم الإسلام وتمثّله، أسماه جدعان”الوجه الارتدادي أو الارتكاسي”عن الصيغة الأكثر شيوعاً ورسوخاً له في الحياة المعاصرة.
للإفادة من هذا الخطاب، استحضر المؤلّف لعمله الأساس القاعدي الذي يقوم عليه منطق النِسوة الرافضة، فأسماه بدقّة،”النظرة الإسلامية الاتّباعية التقليديّة”، وفق ما نطقت به النصوص الدينية المركزية في القرآن والسنّة والأخبار. ذلك لأنّ”تمثّل”وضع المرأة وتشكيل”الصورة”التي يحيل اليها الجميع في”مشكل المرأة”في العصر الحديث يرتدان كلاهما الى النظرة المشتقّة من هذا، الذي يسميه بفطنة لغوية،”المجموع الفقهي النسائي”الذي تنطوي عليه هذه”النصوص”. يعني يريد جدعان ألا ندفن رؤسنا في الرمل. فيبدأ بعرض الآيات والإشارة إليها كـ”نصوص”للتأكيد على قابليتها للتأويل، مع إدراج الرابط بينها وبين الإشكالية التي سببته للنساء الفاقدات حقوقهن الإنسانية، فدفعن ثمن هذا الخلل التاريخي الظالم الذي ارتكب بحقّ عيشهن الكريم في الأسرة والمجتمع والحياة: مثلاً يعرض”آية”القوامة”ويربطها بأحاديث”الطاعة،”التي يستند إليها”العقل الاتّباعي”في إنكار مبدأ المساواة بين الجنسين، وفي تقديم مبدأ طاعة المرأة للرجل، وفي تسويغ”ضرب المرأة”والحقّ في”تأديبها”. ثم آية”النساء حرث للرجال”التي كما يبدو يتأرجح المفسّرون تّجاه تأويلها الصحيح البقرة: 233.
ثمّ الآيات التي أعطت الرجل حقّ الطلاق البقرة: 236 و239 وغيرها وتهديده للمرأة كنتيجة لهذا الحقّ وتعسّفه. وآية وعد الرجال”أصحاب اليمين”في الجنة بـ”الحور العين” مما يجعلنا نحن معشر النساء إماء في جنّة الرجال ونعيمهم – إن أوّلت الآية في سياق نهائي للتنزيل.
ثم الحديث الذي استُغل تاريخياً لإقصاء المرأة من السياسي، والذي نقدت رواته الرجال العالمة السوسيولوجية فاطمة المرنيسي، على منهج”الجرح والتعديل”، والذي رأينا أن المرنيسي ساهمت في استخدامه للمرّة الأولى لمصلحة النساء المسلمات. وثم آية”شهادة”المرأة في المسائل الماليّة البقرة: 282 التي تساوي نصف شهادة الرجل، وآيات”الحجاب”التي وردت في المصطلح القرآني بلغة الخمور”خمورهن”النور: 31 والجلابيب”جلابيبهن”الأحزاب: 59. ويُلاحظ اليوم في عودة”الحجاب”بأشكاله المتنوّعة في”المدينة الكونية”، حيث يعيش المسلمون مع شعوب مختلفة عنهم في تقاليدهم الدينية والثقافية، انه دخل العالم وأثار اللغط والسجال حوله. وأكبر مثال على ذلك ما يدور اليوم في فرنسا من نقاشات حول منع السلطة الحجاب على أشكاله في القطاع الرسمي والتعليمي.
ولم ينس جدعان في حدود الفضاءات العربيّة أن يذكر رائدات”تحرير المرأة”في تجلياتها الأولى من الإصلاحيّة المصرية ملك حفني ناصف باحثة البادية والكاتبة اللبنانية الأصل زينب فوّاز بدايات القرن العشرين. حيث أخذت”قضية المرأة”معهما في الكتابات التي أصدرنها السِمة المطالبيّة، والدعوة الى الإصلاحية الإسلامية. الى أن وصلت المرأة العربية الى مستوى من النضوج في طرح مطالبها، فبرزت وجوه”النِسويّة المعرفية”مع فاطمة المرنيسي عالمة الاجتماع المغربيّة، وليلى أحمد المؤرّخة لقضية”الجندر والإسلام”ونوال السعداوي الطبيبة والروائيّة، وغيرهن كثيرات من تخوم ما نلقي عليه اليوم بـ”النِسويّة العربيّة”.
هذه النِسوية العربية، كما يقول جدعان،”لم تحاول أن تخرق النصوص أو تتجاوزها أو تعقلنها أو تستبدل بها غيرها على سبيل الرفض والهجر أو تعديل الفهم.”ص 35. بينما بدأ”التيار التأويلي”للتاريخ والنصوص، في محيط”النِسويّة الإسلامية”الجديدة بإعادة قراءة هذه النصوص لتأويلها من جديد كما فعلت آمنة ودود وأسمى بارلس ورفعت حسن في أميركا الشمالية. لكن جدعان لم يختار مجموعة الإصلاحيات النِسويّات أو النِسويات التأويليات ليناقشهن بل اختار”النسويّات الرافضات”من غير العربيات والمهاجرات الى الغرب الأوروبي والكندي.
لم ينس جدعان أن يعرّف مصطلح”النِسويّة الإسلامية”وبدايات استخداماتها. فراقب ظهور المصطلح مع المؤتمر الدولي الذي عقدته”لجنة الإسلام والعلمانية في اليونسكو”بباريس في الثاني عشر والتاسع عشر من أيلول سبتمبر من عام 2006 حول ما سمي بـ”النِسوية الإسلاميّة”. وقبل ذلك بعام ما بين 26 و30 تشرين الأول 2005 كانت العصبة الكاتالانيّة الإسلاميّة قد عقدت ندوة في برشلونة حول”النسوية الإسلاميّة”وما قدّمته النِسويات من فكر ومنهج لإعادة قراءة وتفسير النصوص الدينية الإسلامية، وتأويلها، وذلك للنهوض بحقوق النساء وتعزيز مبدأ المساواة بين الجنسين. إلا أن المصطلح، في الواقع، كان قد سبق مؤتمر اليونسكو ومؤتمر برشلونة في ظهوره في صحيفة زنان نساء التي أسستها في طهران عام 1992 شهلا شركت، وشاركت فيها كاتبات الصحيفة، وبخاصة أفسانه نجما باده، وزيبا مير حسيني. وقد نشطت الصحيفة في الاتّجاه التأويلي للإسلام ستة عشر عاماً ونيّف. لكن السلطة الإيرانية أقفلت الصحيفة.
ما هي”الإسلامية الرافضة”التي اهتمّ بدراستها المؤلّف؟
للإجابة على ذلك قدّم جدعان شخصيّات أربع اختارها لتمثّل”النسوية الإسلامية الرافضة”. فخصّص لكل منها فصلاً كاملاً، يذكر فيه أعمالها الأدبية وأفكارها ونشاطها المطالبي وسلوكها. وقد وضع في بداية كلّ فصل مقتطفات من جمل مفاتيح تعرّف بهذه الشخصية أو تلك. والشخصيّات التي اختارها على وجه التحديد هي”ثلّة من النساء، المسلمات أصلاً اللواتي هاجرن من مواطنهن الأصليّة”الإسلاميّة”، أو أكرهن على الهجرة الى مواطن الحريّة الغربيّة- الأوروبيّة أو الأميركيّة- التي أتاحت على نحو عظيم أو متعاظم لبواعث الرفض عندهن أن تنطلق من عقالها وتتفجّر.”ص 86.
عرض جدعان في الفصل الثاني 23 ص مادة للبنغالية تسليمة نسرين مواليد 1962، المرأة التي لم تقتنع بمهنة الطبّ فتحوّلت الى عالم الإبداع الأدبي كما حصل مع الدكتورة نوال السعداوي. فالتفتت الى الكتابة في الصحف المحليّة في القضايا الاجتماعية مع التركيز على قضايا المرأة وعذاباتها في المجتمع البنغالي. لكن ما ألّب عليها أوساط”الإسلاميين”المتشدّدين هو موضوع الدين الذي انتقدته في الحياة البنغالية، فصدرت”فتوى”تكفيريّة بحقّها. كما انه كان لكتابها”العار”الذي تشجب فيه اضطهاد الأقليّة الهندوسيّة في بنغلادش من قبل المجتمع والجماعات الدينية الإسلاميّة، وتدافع فيه عن العلمانيّة، دور عميق في تشكّل تيار متصلّب معاد لها ولأنشطتها. وليس غريباً أنها وجدت في الهند وألمانيا والسويد فضاءً للتعبير عن فكرها الحرّ وغضبها فتنقلت بين هذه البلاد الى أن استقرت في السويد. من مؤلّفاتها في البنغاليّة كتاب لمجموعة مقالاتها يحمل عنوان:”نثر قذر لفتاة قذرة”1993.
كتب جدعان رأياً في تسليمة نسرين لا بدّ من ذكره وهو:”منذ البداية – وذلك مستمر- بدت أفكارها ومواقفها ونزعاتها وخياراتها ونقدها تعبيراً عن كينونة هي تشخيص لأحوال”عقل وجداني”خارق لأدوات وآليّات ومعايير”العقل المعرفي”المنطقي، محمول بـ”دفقة حيويّة”وبـ”حساسيّة انفعالية”مفرطة”. ص 94.
في الفصل الثالث 27 ص عرض جدعان مادة عن أيان حرس علي ماجان مواليد 1969 الصومالية المهاجرة الى هولندا، والمرأة التي تسبب الفيلم القصير”خضوع: الجزء الأوّل”مدّته عشر دقائق الذي أخرجه لها زميلها الهولندي”ثيو فان غوغ”في مقتله في أمستردام في الثاني من تشرين الثاني/ نوفمبر 2004. بعد أن استفزّ موضوع الفيلم مواطنين من”المهاجرين الشباب”المغاربة بسبب الطريقة التي عالجت بها موضوع العلاقة بين الفرد وبين الله في الإسلام. حيث قامت بنقد هذه العلاقة بتصويرها تحت عدسة الفيلم بمشاهد تدعو للشك وتدمّر فكرة الطاعة لدى المسلمين. نشطت أيان في الحياة السياسيّة الهولندية بدعم من حزبها السياسي، ونجحت في أن تصبح نائباً في البرلمان الهولندي. وأصبحت موضع اهتمام جميع القوى السياسيّة والاجتماعيّة في هولندا بسبب جرأتها وصراحتها وجملة آرائها المناهضة للتعدّدية الثقافية وللتعليم الديني في المدارس، ولراديكاليّتها الفكريّة في نقد الدين الذي جاءت منه، الإسلام. إلا أن حادثة مقتل المخرج السينمائي دفعت الحكومة الهولندية الى إخراجها من البلاد الى الولايات المتّحدة حيث تلقّفتها الأوساط اليمينيّة والمحافظين الجدد وحصلت على رعاية مميّزة من”معهد المشروع الأميركي”، فأصبحت، برأي كاتبة هذا المقال، كمن باع روحه للشيطان. تقول بعد أحداث الحادي عشر من أيلول سبتمبر:”انفتح عقلي بعد الحادي عشر من سبتمبر … لقد بدأت ثورتي الشخصيّة”.
يصف جدعان خطاب”فولتير العصر”، أيان حرسي علي، بعاصف، استفزازي، حاد، متصلّب لا يعرف المهادنة، وقح، عنيف، ساخر، على رغم أنّها تدّعي أن”كلّ شيء حسن في النقاش، باستثناء العنف اللفظي والجسدي”. ونِسويّتها لا تعني أبداً”إعادة قراءة الإسلام”والاجتهاد في”تأويل”نصوصه، إنّما هي”نِسويّة انقلابيّة رافضة”تصدر عن عقل وجداني مأزوم، وتطاول الثقافة المشخّصة لا الدين في ماهيّته الروحيّة أو العقليّة. وتنطلق من مفهوم للحريّة الفرديّة لا يقف أمامه أيّ حاجز، وتتعلّل بنظرة نسبيّة جاحدة للمطلق الإلهي، وتنتهي إلى الزعم أن الإسلام لا يتوافق مع حقوق الإنسان والفلسفة الليبراليّة وأنّه ينمّي عقلية قروسطيّة قائمة على مفاهيم القبيلة والشرف والعار والطهارة والخطيئة والخوف، لا على عقلية التسامح والسلام! ص 134.
لن أذكر ما أعدّه جدعان في الفصل الرابع 17 ص، من مشاهد النِسوية الرافضة، عن الأوغندية الهنديّة الأصل إرشاد منجي مواليد 1968 والمستقرّة في كندا”ولا في الفصل الخامس 39 ص عن الشركسية القوقازيّة الأصل نجلاء كيليك مواليد 1957/8 والمستقرّة في ألمانيا. وذلك لأننا قدّمنا، في هذه المراجعة القصيرة، نموذجين كافيين عن هذه النِسويّة الراديكاليّة، والتي أراد جدعان، ربّما من خلالها، فتح باب النقاش حول الإسلام المعولم، الذي بدأ يطرح المساءلة للإسلام المحلّي، ويتجرأ بنقد المسكوت عنه. وهنا تقع أهمية هذه المواجهة التي حقّق لها جدعان في هذا العمل.
يضع فهمي جدعان عنواناً للفصل الأخير”معركة التنوير”31 ص. ويعتبر هؤلاء النِسوة رموز”النِسويّة الرافضة”وقضيّتهن”النِسويّة””في نهاية التحليل وجهاً رئيساً من وجوه عملية ضخمة هي عملية”إصلاح الإسلام”ص 223. ويعرض”للخلل”في”الأوضاع”عينها التي تسلّط الذكر على الأنثى، وتعطيه اليدّ الطولى والحرية في سلسلة من القوانين تشكل الخلفية لانعدام المساواة في الحقوق بين النساء والرجال. ويعرض لها بمنظور”جندري”لا يقبل التسويغ، وتدلّ من جانب المؤلّف على وعي حداثي، بقضية المرأة والتمييز”الجندري”، منها:
– تعدد الزوجات،
– الطلاق بيد الرجال دون النساء والطلاق التعسفي،
– أحكام الإرث والتفاوت فيها بين الذكر والأنثى،
– الشهادة والتفاوت فيها بين الذكر والأنثى،
– قسوة أحكام الحدود قطع اليدّ في السرقة والرجم في الزنى،
– الرقّ والجواري،
– إمامة الصلاة للرجال دون النساء،
– الإمامة والإمامة الكبرى الرئاسة او الخلافة للرجل دون المرأة،
– الحجاب والحجاب للنساء دون الرجال،
– الزواج القسري أو التجاري،
– ضرب النساء،
– تشديد النكير على”نشوز المرأة”والسكوت عن”نشوز الرجل”،
وغيرها من”مجموعة الفقه النسائي القديم”ص 224.
لكن”العقل”أو ربما المنطق الذي توسّلت به”نسويات الرفض”منظوراتهن للتعامل مع هذه المنظومة الفقهية المنحازة لا يدخل ضمن نسق معرفي في العلوم الإنسانية، يميّز بين”العقل المعرفي”وبين”العقل الوجداني”أو الانفعالي. وحقيقتها”هي أن العقل الانفعالي أو الوجداني المأزوم لديهن اختار بحساسيّة مفرطة، للاحتجاج على أحكام الدين المتداولة في حقّ النساء، سبيل الغضب الذي تفجّر في”عنف لفظي”واستفزازي مرّ وسخرية جارحة من أجل الدفاع عن حقوقهن. فالنقد العلمي لا الهجاء والقدح والذم والسبّ أحقّ بأن يتّبع.
فغاب عن عقولهن:
– أوّلاً: الهاجس العلمي والاجتهادي الذي، في الغالب الأعمّ، أدّى بهؤلاء النِسويّات إلى الوقوع في حالة عدم التمييز بين الدين والثقافة. فهذا التمييز يضع الحدود الفاصلة بين ما هو إلهي وبين ما هو إنساني. ويقدّم المؤلّف مقولة جميلة قائلاً:”وفي جميع الأحوال ليس الدين هو ما نفكّر فيه أو ما استقرّ في أذهاننا وعقولنا أوّلاً وآخراً، وإنما هو ما تنطق به أفعالنا”ص 231.
– ثانياً: أسسن الرفض على نظرة”واحدية”أو”اختزالية”لدين الإسلام. فزعمن أن الإسلام هو ذلك الدين الذي عرفته الحجاز، أيّ الإسلام وفق المذهب الوهّابي. وأنّه ليس ثمّة إلا إسلام واحد، وأن هذا الإسلام لا يعرف تفسيرات أو تأويلات أخرى، مثلما انه يجهل أيّ نقد داخلي.
– ثالثاً، قدّمن الإسلام على أنه في جوهره يُناقض التنوير ويقاومه. وشكّل هذا سبباً كافياً كما يبدو عندهن لاتّخاذ موقف إقصائي من الإسلام والمسلمين. فوقعن في فخّ الأصولية والسلفية التي يقمن أنفسهن بنقدها.
باختصار كما يقول جدعان:
إن الطبيعة النقدية الإقصائية لخطابات”التنوير النِسوي”التي تعبّر عنها”نسويات الرفض”، تصدر من دون أدنى شكّ عن قراءة لدين الإسلام غير مدقّقة من وجه أوّل، واختزالية من وجه ثان، وغافلة عن مبدأ”التأويل”من وجه أخير. يضاف إلى هذا كلّه أنه خطابات تريد”الإصلاح”بمنهج”استفزازي”مقصود. 240
من هم هؤلاء نسويات الرفض؟
يعرفنا جدعان على أربع نساء غير عربيات يعشن في”مدينة الإسلام الكونيّة”: ثلاث منهن، تسليمة نسرين وأيان حِرسي علي ونجلاء كيليك صريحات في عدولهن وجنوحهن عن الإسلام الذي يتمثّلنه ويتكلّمن عليه، وهن شديدات في نقد رموز الإسلام وثقافته السائدة، وبعضهن يصرّحن على الملأ بأنهن فقدن الإيمان. وواحدة إرشاد منجي لم تفقد الأمل في الإسلام، وتدعو الى مشروع”إصلاحي إسلامي ليبرالي”في شأن المرأة من عالم التجارة والاقتصاد. ورأيها:”أن رأسماليّة ذات مشاركة نِسويّة ترعى جانب الله، يمكن أن تكون الوسيلة للمضيّ في الإصلاح الليبرالي للإسلام”. 164
لماذا اختار جدعان نماذجه من هذه النسوية الراديكالية والمسيئة للإسلام والمسلمين بخاصة في الغرب الأوروبي، ولم يخترهن من النِسوية الإسلامية التأويلية التي يرى أنها”هي وحدها التي ترقى الى مرتبة منظور نِسوي إسلامي وإنساني جدير بالزمن الراهن وبالزمن المنظور، ومنهجها في”إعادة القراءة والتفسير أو التأويل”هو المنهج الهادي السديد في مقاربة قضايا ومشكلات الإسلام؟
فهل لأننا بحاجة الى نوع من الصدمة لنعي خطورة ونتيجة ما وصلت إليه أحوال النساء المسلمات في بلادهن الأصليّة مما دفعهن الى هذا الضياع والاغتراب والتطرّف وسوء التأويل؟
وحين بات الإسلام واحداً من الديانات الفاعلة في فضاءات العالم الجديدة، فعلى من تقع المسؤولية الإصلاحية للإسلام أو مسيرة”تعقّل الإيمان”كما يطرحها فهمي جدعان؟
هل في الدول الأصلية كبنغلادش والصومال وأوغندا وتركيا التي نشأت فيها”نِسويّات الرفض”، أم في دول الاغتراب المعولمة كالسويد وهولندة وكندا وألمانيا؟
طبعاً تقع المسؤولية على الاثنين معاً. فالمشاكل التي عانت منها المرأة في المجتمعات الأصلية التي هاجرت أو طردت منها”نِسويّات الرفض”مخيفة للمرأة كما للرجل ومضرّة للأسرة والمجتمع والدولة الحديثة. كما أن المجتمعات الأوروبيّة، التي من المفترض أنها تمتلك عقلية التنوير وأداة فهمه الصحيحة، هي نفسها خائفة من جمود القيم وتنوّع الهويّات والاختراقات الحضاريّة. فالنِسويّة الإسلامية الرافضة هاجرت من مواطنها الأصليّة لأسباب عدة، ونقلت معها قصصها التعيسة وعقدها النفسيّة، لتظهر بمجملها في”مدينة كونية”عساها تسع الجميع.
* كاتبة لبنانية
رابط المقال :
http://www.alhayat.com/article/1523504/%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D8%AC-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B1%D8%A8-%D8%A8%D8%AD%D8%AB-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B3%D9%88%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A7%D9%81%D8%B6%D8%A9-%D9%88%D8%A5%D8%BA%D8%B1%D8%A7%D8%A1%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D9%8A%D8%A9-nbsp