الدين الحديث والعنصرية الحديثة
المؤلف: “ثيودور فيال” الأكاديمي والمتخصص في الفكر الديني الغربي الحديث، والنظريات اللاهوتية الحديثة، والنظريات التنويرية وما بعد التنويرية للدين.
حول الكتاب:
يؤكِّد المؤلفُ من خلال هذا الكتاب على أنَّ العرقية أو العنصرية شيء أساسي لدراسة الدين؛ فالعرقية والدين توأمان ملتصقين، وهما من نسل العالم الحديث. ولأنَّهما يتشاركان في علم الأنساب المتبادل، فإنَّ الدين دائمًا ما يكون ذو طبيعة عرقية، وحتى عندما لا تكون العرقية والعنصرية هي محل النقاش. يدّعي المؤلف أنَّ علماء الدين يغفلون عن هذه المسألة؛ وهي أنَّ جانب العرقية من النقاط الرئيسية المتغافل عنها في دراسة الدين.
تبدوا الفكرة بسيطة في بداية عرضها، ولكن في الحقيقة هي قوية للغاية وتثير الكثير من التحديات والتساؤلات. وعلى وجه الخصوص، كيف لمثل هذه الخطابات أنْ يكون لها دورٌ في العالم المعاصر، وكيف تنتج التواريخ معاني لهذه الحقول – على سبيل المثال حقلي العنصرية والدين – والتي يتم التعامل معها اليوم كما لو كان الأمر مسلّمًا به. ويقع نطاق عمل المؤلف في الكتاب على الطرح الثاني المتعلق بكيفية إنتاج التاريخ معاني لبعض الحقول، ونظرة العالم المعاصر لهذه المعاني كمسلَّمات.
يتناول هذا الكتاب كيفية قيام بعض الشخصيات الرئيسية -يعني رجال أوروبا البيض- بوضع إطار لأجندة نظرية وفلسفية للتحدث بطريقة أكاديمية حول مسألة العنصرية والدين، وهؤلاء الرجال هم بعض الشخصيات الرائدة فيما يسمى “بالتنوير الفرنسي البريطاني” أمثال: هيردر، وكانط، ومولر، وشليرماخر. وكما يبيّن المؤلف من خلال هذا الكتاب: فإنَّ المنظرين المعاصرين في الدين يواصلون الاعتماد على أفكار هؤلاء الرجال، دون أن تزعجهم الخطابات العرقية المختلفة في كتاباتهم عن الدين. وبالطبع، فهذا لا يعني عند الكاتب أنَّها نظرة متدنية، لأنَّ كتابات هؤلاء الرجال جديرةٌ بالاستكشاف بسبب نفوذها وتأثيرها العظيم.
يبدأ المؤلفُ مع كانط، ويبحث بشكل خاص في كيفية ولماذا تحدث كانط عن العرقية. ويبين أنَّ كانط قد اتبع نهجًا علميًا/ لينانيًا لتصنيف الانقسامات الطبيعية بين البشر في الوقت الذي أقحم فيه العرقية داخل علم الغائية للإنسانية. ووفقًا لكانط، فإنَّ العرقَ هو عنصرٌ أساسي للتقدم البشري: وهو ضروري لفلسفاته عن العلم والتاريخ، وحرية الإنسان، وبالتالي مهم للحداثة.
وتركز الفصول المتبقية من الكتاب على “هيردر”، و”مولر”، و”شليرماخر”. فالمؤلف يرى أنَّه لا ينبغي أن تنحصر مساهمة “شليرماخر” في دراسة الدين في نطاق تفسير إلياذين للدين على أنَّه شعور داخلي عميق أو ما يعرف ب “حساسية الذوق اللانهائي”. بدلاً من ذلك، فإنَّ نظرية الدين عند “شليرماخر” اجتماعية بالضرورة، ومرتبطة ارتباطًا وثيقًا باللغة والثقافة، ومن ثمَّ فهي مقترنة بالعنصرية. يبين المؤلف هذا المعنى من خلال النظر في حديث “شليرماخر” عن مجموعتين “نيو هولاندرز/ الأستراليين، واليهود”. فيما يتعلق بالمجموعة الأولى، استخدم “شليرماخر” حسابًا استعماريًا مبكرًا، واصفًا إياهم بـ “البائسين الذين نشروا البؤس في جميع جوانب الحياة”، وبالنسبة للمؤلف فإنَّ هذا يعد ربطًا من قبل “شليرماخر” للتقدم مع العرقية والدين. يتم تصنيف الأستراليين الأصليين على أنَّهم متراجعون على سلم التقدم: حيث لا يوجد مجال للدين. وبهذا المعنى، فإنَّ وجود الدين أو انعدامه هو أمر له ارتباط بالعنصرية: أي كل من يتسم بالنوعية أو الجنسية في حالة من البؤس تجعله يعتنق دينًا يتماشى مع وضعه الاجتماعي. هذا الرابط هو الافتراض غير المريح الذي يكمن وراء نظريات “شليرماخر” الخاصة بالدين، الجانب الرئيسي المغفل عنه، والذي لا ينبغي أنْ نتجاهله.
يعتقد المؤلفُ أنَّه حتى إذا وجدنا أنَّ بناء “شليرماخر” الحديث للدين جذابًا، فإنَّ العديد ربما لا يزال غير مرتاح لاستنتاجاته حول الأديان الأسترالية واليهودية، ويلاحظ المؤلف أنَّه لا نزال نستخدم تصنيف الدين عند “شليرماخر” عند حديثنا أو تفكيرنا في الأنشطة الدينية. لذا فإنَّ السؤال هو، إذا كانت تعليقات شليرماخر على الأديان الأخرى لا تستطيع إلا أنْ تمسنا بالعنصرية، وإذا استمررنا في طرح فرضيته عن الدين؛ فهل تفكيرنا حول الدين يعد عرقيًا أو عنصريًا، حتى لو كنا أكثر تحديدًا في اللغة التي نستخدمها؟
إجابة المؤلف على هذا السؤال إيجابية، وأعتقد أنَّه على صواب في أنَّ عرضه لعمل شليرماخر والبقية لا يبرز هذه المسألة عن العرقية، والتي يتم تجاهلها إلى حد كبير أثناء الحديث عن الدين.
إنَّني أدرك تمامًا أنَّ أي محاولة للتعليق على الكتاب هي محاول من صاحبها لقول ما يسعى إلى أن يجده داخل هذا الكتاب، وليس ما كتبه المؤلف وقضى فيه سنوات من البحث والتنظيم والكتابة. أتفق مع الكثير مما يقوله المؤلف ونقده، ولكن كانت هناك أيضًا قضايا غابت هذا الكتاب جعلتني أشعر بالإحباط.
كانت الأقسام المتعلقة بفهم المؤلف النظري للمفاهيم الواسعة للعرق والعرقية جيدة، ولكنها تجاوزت الكثير من الأدبيات المعاصرة حول هذه القضية الهامة للغاية. “دبليو إي. ب. دو بوا” حاضرًا في الدراسة، وكذلك “كوامي أنتوني أبياه”، وهناك ذكر بسيط ل “بول غيلروي”. ولكن هذه حقًا تغطية سطحية لنطاق عميق جدًا من الدراسات التي أعتقد أنَّها كانت ستعطي المؤلف مجموعة أكثر ثراءً من الأدوات النظرية لمعالجة قضايا العرقية. شخصيات مثل “ستيوارت هول” في بريطانيا و “مايكل أومي” و “هوارد وينانت” في أمريكا الشمالية تتبادر إلى الذهن، لكن مرة أخرى هي مجرد بداية. والأكثر أهمية، أنَّ دعوة “كيمبرلي كرينشو” لمقاربة متعددة الجوانب تراعي العرق والنوع أصبحت الآن في العشرين من عمرها، إلى جانب أعمال “خطاف الجرس” و”باتريشيا هيل كولينز” وغيرها.
هذه تثير ما هو بالنسبة لي أمر متغافل عنه لدراسة الدين في النطاق الأكاديمي: وأعني بذلك قضية “الرجل الأبيض” التي تبدو غير مرئية، والتي هي في قلب الغائية العنصرية والدينية للتنوير. مرة أخرى، هناك بعض النظريات الجادة التي يمكن أن تساعدنا في استكشاف هذه القضايا المتعلقة بالعنصرية والدين من خلال السعي إلى تفريغ دور” الرجل الأبيض” في نطاق الحديث الأكاديمي عن الدين. على المستوى الشخصي، يتطلَّب الحديث عن العرق أنْ نتحدثَ عن كيف أنَّ هؤلاء الناس الذين يعتبرون أنفسهم “بيض” هم عنصريون في حق نفسهم أولًا، ثم في حق الآخر. وعلى الرغم من أنَّه لا يعالج مسألة “الرجل الأبيض” بشكل مباشر، فإنَّ المؤلف يعطينا إشارة واضحة جدًا على مكان دفن بعض هذه الجثث” في إشارة إلى قدرته على توضيح المسألة الأصلية، وأنه جعلها قريبة الوضوح للجميع“.
وأخيرًا، فإنَّ المؤلفَ يقدّم من خلال هذا الكتاب إسهامًا كبيرًا جدًا في المناقشات حول الكيفية التي تحتاج بها دراسة الدين إلى استكشاف ماضيها، وعلى وجه الخصوص التداخل المتجاهل في كثير من الأحيان بين حقلي العنصرية والدين. وفي الختام لكل أولئك المهتمين برؤية كيف ساعد مفكرو عصر التنوير “الذكوريون البيض” على خلق مثل هذه الفوضى، فإنَّ هذا الكتاب يحتاج إلى مزيد من المطالعة والمدارسة على نطاق واسع.
قام بمراجعة هذا الكتاب “مالوري ني”: الباحث والمحرر والأكاديمي الإنجليزي بجامعة جلاسكو وسترلينج.