يتطلع هذا الكتاب المهم إلى وصف كيفية ممارسة منطق الشريعة الإسلامية بين المسلمين المعاصرين؛ وبخاصة بالنسبة إلى النقاش الدائر حول القوة المسلحة والأخلاقيات السياسية المستوحاة من الحجج والحيثيات التي يسوقها الناشطون الإسلاميون، وذلك كله من خلال تفسير مصطلح “الجهاد” الذي أصبح يرتبط بعد أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر على وجه الخصوص بأكثر المعاني تضليلا وإرهابا.
في هذا السياق؛ يقدم جون كلسي، الأستاذ الباحث في أخلاقيات الدين بجامعة فلوريدا الأمريكية، تفسيرات واضحة لظروف الجهاد الذي يتبعهُ المسلون المعاصرون، بحسب التقليد الإسلاميّ، مُرتكزا في تفسيراته هذه إلى الأحداث التاريخية من جهة، والآيات القرآنية من جهة ثانية في محاولة منه لتقويم الحجج الإسلامية المرتبطة ب “منطق الشريعة” من ناحية، وإزالة الالتباسات المتعلقة ب “مسألة الحرب العادلة” عند المسلمين وغير المسلمين من ناحية ثانية.
الصراع على الإسلام
اسم الكتاب: مسألة الحرب العادلة في الإسلام
المؤلف: جون كلسي
ترجمة: د. رلى ذبيان
مراجعة: د. رضوان السيد
الشبكة العربية للأبحاث والنشر- بيروت– 2009- عدد الصفحات 288
مما لا شك فيه أن حدث الحادي عشر من سبتمبر كان بمثابة البركان الذي زلزل أركان الولايات المتحدةالأمريكية بالإضافة إلى بقاع شتى من أنحاء العالم. فمع أنه كان قد سبق للقوى المعادية للديمقراطية، بحسب تعبير بوش، أن استهدفت الولايات المتحدة وحلفاءها، إلا أن هذه الحرب عادت في الحادي عشر من سبتمبر إلى عُقر دار الولايات المتحدة حاملة معها رسالة تفيدها بوجود شعوب تكن لها الكراهية وتمقت القيم التي تعتنقها وتؤمن بها، وأنها لا تعتزم التصدي لانتشار هذه القيم فحسب، وإنما تلتزم أيضا شنَ هجمات تستهدفُ بها نفوذ الولايات المتحدة ومصالحها في آن معا.
وفي فورة رد الفعل الغاضب على حدث هكذا صدر العديد من التصريحات المعادية للإسلام المؤذنة ببداية “الحرب الصليبة” تارة أو “الحرب العالمية الثالثة” تارة أخرى ضد من أطلقت عليهم لقب “الفاشية الإسلامية” باعتبارها المسئولة عن هذا الحدث.
وحتى عندما صرح الرئيس الأمريكيّ جورج بوش بعد ذلك أنّ “الإسلام يعني السلام”، وأكد جازما أن أولئك الذين ينفذون الهجمات إنما “خطفوا الإسلام”، فإنه سرعان ما انبرى إنجيليون بارزون من أمثال فرانكلين غراهامFranklin Graham وتشارلز كولسون Charles Coulson وجيري فولويل Jerry Falwell وغيرهم يعلنون على الملأ أن الإسلام ليس إلا ديانة زائفة مضللة محتومةَ الارتباط بالشر والأذى، وبخاصة عندما تتخذ لها من العنف الأعمى شكلا ونمطا فتضرب من دون قيد أو تمييز!!
طالع أيضا:
* مفاهيم الجهاد والحرب العادلة واستعمالاتها المعاصرة
* الحرب العادلة.. الحقائق والأكاذيب
* الجهاد والحرب.. بين المبادئ والمصالح
* الأصل في علاقة المسلمين بالآخرين.. السلم أم الحرب؟
وفي الوقت نفسه؛ كان ثمة من يعمِدُ إلى التحدث عن الإسلام بلغة تُفردُ لصراع الحضارات حيزا أكبر. ومع ذلك، بقيت النظرة الحاكمة على حالها خاصة وأن أغلب هؤلاء قد نجح في الحصول على تصريحات نطق بها ابن لادن ومعاونوه فاحتجوا بها مٌظهرينَ أنّ هجمات الحادي عشر من أيلول لم تكن انحرافا عمّا هو طبيعي أو سويّ في التقليد الذي نهج الإسلام عليه، بل إن الذين قاموا بها كانوا من الأتباع الحقيقيين لمحمد (صلى الله عليه وسلم)، فيما اتُهمَ الذين يحاولون فصلَ الإسلام عن سياسات القاعدة بأنهم مُسلمون مَزعومون يَنقُصُهم الإيمانُ الراسخ، ولا يستحقونَ الثقة، بل ويفتقرونَ إلى الجدارة في تمثيل الدين كذلك!!
والواقع أن المسلمين اليوم مُقحمون في جدال جدّي حول الأخلاقيات السياسية، وهو جدال يتوسّلُ الممارسات والأعراف الواقعة في صُلب التقليد الإسلامي، لغةً يُعبر بها عن مكنونة ومقاصده. وبالتالي، فإن فريقا من المسيحين الإنجليين قد ادعوا ارتباط الإسلام ارتباطا عضويا بالعنف في وقت ينبري فيه المسلمون المدافعون عن دينهم، وأولئك الملتزمون بالتنوع الثقافي، إلى تأكيد انتفاء أي علاقة للإسلام بعنف من هذا النوع.
ومن هنا، فإن واحدا من أهم مقاصد هذا الكتاب يكمن في تزويد قارئه بتوصيفٍ دقيق ومنتظم للمنظور الدينيّ للقاعدة، وغيرها من المجموعات الناشطة في هذا السياق. ولعل ذلك ما دفع المؤلف لأن يؤكد في تقديمه الكتاب أنه بالنسبة لأولئك الذين يرغبون في إقامة الحجة على أنه ليس للإسلام أيّ علاقة بهجمات الحادي عشر من سبتمبر؛ فإنهم لن يجدوا فيه إلى ما يرتاحون إليه سبيلا، ولا إلى ما يعطيهم الحق في ما يحتجون به خاصة وأن الوقائع، بحسب المؤلف، جلية واضحة:
فأسامة بن لادن والظواهري وغيرهما من النشطاء يُلقون اللوم على بعض من الممارسات والمواضيع المركزية في التقاليد الإسلامية. ومن ثم، فإن أفضل السبل لإدراك كنه الإفادات الصادرة عن قادة القاعدة، إنما يكمن في اعتبارها محاولات تهدف إلى جعل مسار العمل أو النشاط شرعيا أو مُسوَّغا، وذلك عبر استخدام مصطلحات تستوحي فلسفة التشريع الإسلامي وترتبط به وهو ما يطلق عليه المؤلف تسمية “منطق الشريعة الإسلامية وتسويغ أحكامها”.
الإسلام والسلام
من المعلوم أن الإسلام يعني بحرفيته “الاستسلام والانقياد والطاعة”. ومن ثم، ينطبق الإسلام على السعي إلى تنظيم الحياة بطرق تجسد التسليم بالله والاعتراف به بوصفه “رب العالمين”. أما لفظة “مسلم” فهي تنطبق على “مَن يُسْلِم”، أي على مَن يتبع هدى الله ويلتزم ويُشغل بالسعي إلى تنظيم حياته بطرق تُمثل اعترافه بسلطان الله وتسليمه له.
وفقا لما سبق، يعني “الإسلام” إذن طريقة في العيش ونهجا للحياة يتولاهما المؤمن بنية إطاعة الله وتوقيره. وإذ يأخذ البشر على عاتقهم مهمة إطاعة الله وتوقيره والاستسلام لمشيئته؛ فإنهم يعترفون بمن هم؟ وبما هم؟ ويتصرفون وفقا لطبيعتهم أو فطرتهم التي تُملي عليهم أن ينشدوا السلام ويجِدوا في طلبه. ومن هنا، فإن كلا من السعادة والسلام [بمعنى السكينة] على المستويين الشخصي والاجتماعي إنما يَنتجان من هذا السعي.
وفي المحصلة، إن هذا المفهوم للإسلام الذي يرقى إلى وعد أولئك الذين يؤمنون بالله ويأتون الصالحات من الأعمال، يجتذب اليوم أكثر من بليون مؤمن يتوزعون في كل واحدة من أمم الأرض. ففي الولايات المتحدة الأمريكية وحدها يقدر المسلمون بأربعة ملايين نسمة، أي ما يعادل تقريبا عدد الذين يتدينون بالبروتستانتية.
فالإسلام، بمعنى الاستسلام لمشيئة الله وطاعته، يمثل في الأساس طبيعة فطرية بالنسبة إلى الإنسانية. ذلك أن الاستسلام وما يستتبعه من انقياد كامل لله يجسد ميلا خاصا لدى المخلوقات التي تجد لحياتها وقدراتها مصدرا في قوة وإرادة الله ومن هذا المنطلق يستحث الله النبي (صلى الله عليه وسلم) على الثبات في الإيمان بالدين الحنيف الذي هو “فطرة الله التي فطر الناس عليها” [سورة الروم: 30]
وبالتالي، فإن مفهوم الإسلام كدين للإنسانية يجد له لازمة في القول إن للكائنات البشرية قدرة على الاعتراف بالله، وأن للإنسان كما يؤكد القرآن الكريم مقدرة على التفكير والدخول في المنطق الجدليّ الاستنتاجي، ما يُؤمنُ له إدراك الخالق عز وجل، ولا سيما أن في استطاعة الكائنات البشرية التفكر بمجموعة من “العلامات” [الآيات] التي تدل على صانعها، كما في قوله تعالى: “ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون…” [سورة الروم: الآيات 20-27].
ماذا يعني الإسلام اذاً، كتجلٍّ لجوهر الانقياد لمشيئة الله؟ في محاولته الإجابة على هذا التساؤل يتوقف المؤلف عند ثلاثة من الأجوبة الممكنة مؤكدا أن الإسلام الذي يعني الانقياد لأمر الله، الآمر الناهي بلا اعتراض، يمكن أن يجد له تعريفا على الشكل التالي:
أولا: الإسلام حركة دينية تبدأ بحياة وأعمال النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) في شبه الجزيرة العربية إبان القرن السابع بعد الميلاد. وفي هذا التعريف يتم تسليط الضوء على حياة الرسول وأتباعه.
ثانيا: الإسلام هو الديانة الفطرية للإنسانية. ويمكن أن ندرك كنه هذا التعريف على ضوء الفقه الإسلامي وتطوره، ولا سيما مفهوميْ طبيعة وقدَر الكائنات البشرية، على أساس أنها مخلوقات من لدن الله.
ثالثا: الإسلام هو القوة المحرِّكة الكامنة وراء حضارة عالمية عظيمه. ونستطيع أن نجد في هذا التعريف ما يعبر عن المعنى الثقافي والسياسي للإسلام، هذه الديانة النافذة المنبسطة في منطقة تمتد مساحتها من شمال إفريقيا إلى الصين، ومن جنوب أوربا ووسطها إلى شبه القارة الهندية وإندونيسيا وما بعدهما.
منطق الشريعة وتسويغ أحكامها
قضى النبي (صلى الله عليه وسلم) أواخر أيامه وهو يملي الرسائل إلى حكام الامبراطوريات العظيمة في زمانه، أي إلى كل من قيصر القسطنطينية وملك الساسانيين العظيم ونجاشي الحبشة، يدعوهم فيها إلى التديّن بالإسلام دونما إبطاء ولا مماطلة، مؤكدا أن في قبول الشهادة ما يجتنبون به النزاع، وما يستجلبون به الخير والبركة على شعوبهم. أما إذا لم يشأ القادة المعنيون بالرسائل الإقبال على الإسلام، فينبغي عليهم على الأقل أن يدخلوا مع المسلمين في علاقة خاضعة للجزية كطريقة يعترفون بها بسيادة الإسلام وتفوقه كدين حنيف.
وفي كل الأحوال، فإن عليهم أن يدركوا، في حال أبوا ذلك، أن محمدا (صلى الله عليه وسلم) إنما هو مكلف برسالة إلهية لن يتأخر في نشرها ما دامت تقتضي دعوة الناس جميعا إلى الإسلام. وهو لهذا الغرض أنزل الله عليه الكتاب وأعطاه السيف بحسب الرواية التي اعتمدها المؤلف من تاريخ الطبري، والتي يمكن مقارنتها هنا بما ورد عن المسيح، عليه السلام، أنه قال: “لا تظنوا أني جئت لألقي سلاما على الأرض. ما جئت لألقي سلاما بل سيفا” [إنجيل متى: الآية 34]، وهي الآية التي لم يذكرها كلسي في كتابه على كل حال!!
وبحسب المؤلف؛ يرى السواد الأعظم من المسلمين أن توسع الإسلام كان فعل قدر إلهي، أسس لأنظمة سياسية اعترفت بالإسلام دينا حقا طبيعيا وفطريا للإنسانية، وحلت محل أنظمة كان لأخطائها الدينية وشوائبها الأخلاقية أن جرت عليها صفة الاستبدادية.
فلقد كان من شأن اتساع نظام الحكم الإسلامي أن زاد من فرص تعايش العديد من البشر بسلام نسبي وببلوغ درجة معينة من العدالة، ما انعكس انفتاحا يمكن بموجبه لأي شعب توّاق إلى التحرر من ربقتي الطغيان والاستبداد سماع رسالة الإسلام وتقبلها والإقبال عليها خاصة وأن الإسلام يمنح الشعوب المتحررة حق الخيار بالإبقاء على دينهم المتوارث، شريطة أن يرتضوا حماية النظام الإسلامي الحاكم ويحترموا بعضا من خصائصه.
وفي كل الأحوال؛ فإن الطريقة التي قارب المسلمون بها التوسع الجغرافيّ للإسلام تؤشر إلى نيتهم في تصنيفه كنظام ينهج ما يطلق عليه المؤلف تسمية “الطريقة الأبوية المفيدة” في إدارة البلاد ومعاملة الجماعات والأفراد. أضف إلى ذلك أيضا اقتناع المسلمين بأنهم في فتوحاتهم لم يحملوا إلى البلاد التي حلّوا فيها معتقدا أجنبيا أو غريبا، فالإسلام يقع في صميم الفطرة البشرية، وما من أحد يقوى على إعطائه للآخر، وإنما هو منحة من عند المولى عز وجل.
وهكذا استلزم التوسع الإسلامي برنامجا منتظما لتغيير النظام يكون فيه الجهاد رمزا لجَهد المسلم. ومن ثم، تطورت مفاهيم القتال المُشرّف نظرا إلى ارتباطها بهذا الاعتقاد، تماما كما فعلت مفاهيم أخرى أهمها الشهادة والتضحية في سبيل الله.
وفي المحصلة؛ تلمح المصادر الأولى للإسلام إلى تطور الوعي بملائمة القتال بوصفه وسيلة يضمن بها المسلمون حقهم في تنظيم الحياة انسجاما مع التوجيهات الإلهية. وبناءً عليه، فإن مفهوم “الحرب العادلة” يعد وجها من وجوه الأدبيات المؤسسة للإسلام، كما أن المسائل المطروحة حول عدالة القتال قد نشأت كذلك في سياق الفتوحات أو الحملات الأولى التي هدفت إلى “فتح” الأراضي المجاورة للحكم الإسلامي.
أيضا نجد في المفهوم الذي انطوت عليه رسالة النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى حكام بيزنطية وغيرها من امبراطوريات العالم القديم، كما في ما اشتملت عليه الروايات من مناظرات دارت بين عليّ وغيره من المعنيين بالأمر بشأن الطريقة الفضلى التي ينبغي اتباعها للرد على الخوارج ومعاوية وغيرهم ممن تسببوا بالنزاع الأهلي [الفتنة الكبرى] وشاركوا فيه ما يؤكد ذلك المفهوم [الحرب العادلة].
وبالتالي؛ فإن الحرب في الإسلام ليست سوى وسيلة يُراد منها تحقيق غرض سياسي يتمثل في إنشاء وإدارة شؤون اتحاد سياسي-إقليمي يحكمه الإسلام. بل إن محاولة إنشاء دولة إسلامية يمثل بحد ذاته وسيلة تستطيع الأمة الإسلامية من خلالها الاضطلاع بالمَهمة التي انتدبتْ لتنفيذها والتي تستوجب منها دعوة البشرية إلى الدخول في علاقة مع الله تقوم على الإذعان لإرادته والاستسلام لمشيئته، وهو ما يعنيه “الإسلام”.
وبهذا المعنى (الحرب وسيلة لتحقيق دولة الإسلام) تكون الحرب وسيلة تشكل بحد ذاتها ارتقاءً بالهدف الديني القاضي بدعوة الإنسانية إلى التديّن بالإسلام. وإن من شأن هذه المقاربة أن توحي بأنه ليس في الحرب ما هو جيد أو سيئ بالتحديد، وإنما هي مجرد وسيلة تضمن تحقيق الهدف المنشود، فاللجوء إلى الحرب ليس إذاً إلا مسألة تقدير فاعليتها المحتملة في بلوغ مجموعة من الأهداف المحددة.
أخيرا ترسخ الإجراءات المنصوص عليها في الروايات الخاصة بأقوم السبل للتعامل مع أهل البلاد المراد فتحها مفهومَ الحرب بوصفها وسيلة للوصول بالأهداف التي تعتبر مشروعة إلى خواتيمها المرجوة؛ فمن شأن طبيعة الدعوة أن تُثبت بوضوح أن الحرب ليست الوسيلة الأولى أو الرئيسة المُوصى باعتمادها لبلوغ هذه الأهداف. ومن ثم، فإنه لا يُؤمر بالقتال إلا في حال فشلت الوسائل الأخرى في تحقيق المراد.
ومع أن هذه الصيغة لا تُشكل مرادفا دقيقا للمعيار الغربي المعاصر الذي يسْتصوبُ الحرب العادلة بوصفها السبيل الوحيد الباقي، إلا أنها تشتمل على إشارة مفادها أن اللجوء إلى مثل هذا الإجراء ينبغي أن يستتبع محاولة بلوغ الأهداف الشرعية بوسائل غير مؤذية، أي تلك التي لا يؤدي استعمالها إلى الهلاك.
ومن هنا يتضح لنا أن السنة التي يرتكز عليها منطق الشريعة قد وضعت مرادفا لمعايير الحرب الحقة، المتمَثِّلة بسلطة شرعية، وسبب صائب وعادل، ونيّة صادقة قويمة، وتوقيتا مناسبا على الأقل. وهكذا يمكننا أيضا أن نرى في ارتقاء الغاية التواقة إلى إنشاء وصيانة دولة إسلامية شيئا متكافئا ومعيارَ الحرب العادلة الذي ينصُّ على هدف السلام؛ فالتّناسب والأمل المنطقي بالفوز، اللذيْن توَسًّلَهما العُرف في الحرب الحقّة ليُرْشد أولئك الذين يُقَلّبون الرأيَ بشأن اللجوء إلى الحرب أو عدمه، فيدعوهم إلى بذل جهد مخلص في تقدير نفقات وفوائد القتال في حالات معينة.
ومن هنا، فإن منطق الشريعة الإسلامية وتسويغ أحكامها إنما هو نظام من النقاش أو المناظرة بشأن المطابقة التي تسود السوابق (فعل السلف) وبين وقائع الحياة السياسية. وبالتالي، فإنّ حجج المسلمين بشأن الحرب والسياسة تقوم في الأطر المعاصرة وتفعل، تماما كما قامت وفعلت في القرون الماضية، وذلك عبر طرحها لسؤالين اثنيْن هما:
(1) ما هو الهَدْيُ الذي وَفّرَه الله للعالمين للسُلوك في الحياة بما يرضي مشيئته؟!
(2) وما هو السبيل الحق الذي يقود إلى سواء الصراط، وبما يتوافق ومثّال النبي (صلى الله عليه وسلم) والفطرة الحقة للكائنات الإنسانية؟!
حاصل على دكتوراه في الفلسفة الإسلامية ومدير تحرير مجلة رواق عربي.
مدارك
رابط المقال :
https://www.turess.com/alfajrnews/22602