الجنسية في الشريعة الإسلامية
هذا الكتاب عبارة عن أطروحة جامعيّة قام بها المؤلف بإبراز نظرية الإسلام المتميّزة من جهة، والوقوف على معالم التشريع الإسلامي في ما يخص العلاقة بين دولة الإسلام ومواطنيها من جهة ثانية.. فبرأيه، أنه لا بد من وضع أسس واضحة تُبنى عليها العلاقة القانونية والسياسية بين هذه الدولة ومواطنيها، كما لا بد من فوارق بين المواطنين وبين الأجانب الغرباء خصوصاً في تحمَل المسؤوليات والتمتّع بالحقوق والامتيازات.
وسعيًا لتحقيق هدفه من كتابه، اعتمد المؤلف على المراجع الفقهية القديمة وكتب التفسير والحديث وكتب السير والتاريخ وكتب القانون، وذلك على الرغمن من الصعوبة التي واجهها في تأطير هذه القضية تأطيرًا فقهيًا حديثًا، وصياغتها في نظرية واضحة مستمدة من مبادئ الشريعة وخطوطها العريضة.
ويتوزع الكتاب على أقسام ثلاثة: الأول بعنوان: “منح الجنسية واكتسابها في الشريعة الإسلامية”. والثاني بعنوان: “آثار الجنسية في الشريعة الإسلامية”، أما الثالث فهو بعنوان: “زوال الجنسية في الشريعة الإسلامية واستردادها”.
في المقدمة يحاول المؤلف وهو الأكاديمي الأردني الدكتور رحيل غرايبة التعريف بالجنسية لغة واصطلاحًا من الجهة القانونية، فالجنسية لغة من الجنس، والجنس: الضرب من كل شيء. أما من جهة الاصطلاح القانوني المعاصر فالجنسية هي الرابطة التي تربط شخصًا ما بدولة.
ثم يعرض الدكتور غرايبة في الفصل الأول لبعض البنود المتعلقة بمبحث الجنسية في وثيقة المدينة ومنها تحديد صفة المواطنة الرئيسة، والتي تمثل الشرط الرئيس لاكتساب الجنسية: “هذا كتاب النبي محمد (رسول الله) بين المؤمنين والمسلمين من قريش وأهل يثرب، ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم). فكل من أسلم وهاجر إلى المدينة والتحق بشعبها ليجاهد معهم، يصبح مواطنًا ويُمنح الجنسية.
وشعب المدينة شعب متميز مستقل بتبعيته وانظمته وحقوقه وواجباته: “إنهم أمة واحدة من دون الناس”.
وقد مُنحت الجنسية لفئات أخرى غير المسلمين المهاجرين من قريش والمسلمين من أهل يثرب، وهم اليهود الذين كانوا يقيمون في المدينة قبل مجئ الرسول صلى الله عليه وسلم وذلك شريطة الالتزام بشروط المواطنة، بأن يتبعوا القيادة الحاكمة المتمثلة بالنبي صلى الله عليه وسلم.
ومنها كذلك ضبط أسماء العشائر المختلفة من المسلمين وغيرهم الذين يمثلون شعب المدينة، ومنها أنه لابد لكل من أراد السفر أن يستأذن محمدًا صلى الله عليه وسلم. كما أن الوثيقة قد نصت على آثار الجنسية من تكاليف وحقوق. ومنها التناصر في الحرب والإنفاق المشترك.
ويتعرض الدكتور غرايبة بعد ذلك لمفهوم الجنسية المكتسبة وهي الجنسية التي يحصل عليها الفرد بإرادته واختياره، وتسمى المكتسبة، لأنها تُكتسب ولا تُفرض. ومن الأسباب التي تؤدي إلى كسب الجنسية في الدولة الإسلامية: الإسلام والهجرة إلى إقليم دولة الإسلام، أو الدخول في عقد مع الدولة (الذمة)، أو الزواج المختلط، أو ضم الأقاليم، أو طلب الجنسية، أو الإقامة الطويلة في الإقليم الإسلامي.
ثم ينتقل الدكتور غرايبة إلى بحث معنى الجنسية الأصلية وتعريفها في العُرْف القانوني، وهي: تلك الجنسية التي تثبت للإنسان لحظة الولادة للمرة الأولى استنادًا لحق شرعي، وتسمى كذلك الجنسية المفروضة أو الجنسية الممنوحة – التي تُمنح له من قبل الدولة- وأحيانًا تسمى جنسية الميلاد إذا تعلقت بالولادة.
وهناك أساسان لاكتساب الجنسية الأصلية في الأعراف الدولية وهما: حق الدم وحق الإقليم. ثم يعرج الدكتور غرايبة إلى أسس اكتساب الجنسية في الشريعة الإسلامية ويبدأها بموقف الشريعة من أساسي حق الدم وحق الإقليم. ويرى غرايبة أن هذين الأساسين غير كافيين من منظور الشريعة لاكتساب الجنسية حيث أنه في حق الدم ينبغي أن يولد المولود لأبوين مسلمين. ويرى غرايبة كذلك أنه لا مجال في الشريعة للاعتداد بحق الإقليم كأساس لمنح جنسية الدولة الإسلامية. ومن أسس كسب الجنسية الأصلية في الشريعة: حق التبعية الإسلامية لدار الإسلام وهي خاصة بالمسلمين، وحق التبعية الذمية لدولة الإسلام وهو حق من يعيشون في كنف الدولة الإسلامية من غير المسلمين.
ثم يتصدى الدكتور غرايبة بعد ذلك لبحث آثار الجنسية من الوجهة الشرعية، ويُقصد بها ما يترتب على رابطة الجنسية، التي تعطي للفرد صفة المواطنة في الدولة، فيحتل مركزًا قانونيًا معتبرًا يتيح له التمتع بحقوق دستورية مقابلة تحمله واجبات وتكاليف.
وأول هذه الآثار الحقوق وأولها الحقوق السياسية التي تشمل مطلبين: حق تولي الولايات العامة في الدولة، أو المناصب السياسية. وحق الترشيح والانتخاب أو المشاركة في اختيار الحاكم. ومنها كذلك الحقوق الدينية التي تشمل حرية الاختيار العقدي والفكري، وحرية تأدية الشعائر. ومنها أيضًا الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والمدنية والحريات العامة مثل حق الملكية وحرية التعبير وحرية الاجتماع وحرية التعاقد وحرية الفكر.
وبما أنه يترتب على الجنسية حقوق فإنه يترتب عليها واجبات كذلك. وأولها واجب الخضوع لقوانين الدولة وأنظمتها. ويرى الدكتور غرايبة أن بعض هذه القوانين تصلح للمسلمين فقط وبعضها مشتركة بين المسلمين وغيرهم في المعاملات والأحوال الشخصية والعقوبات. ومن الواجبات المفروضة على سكان الدولة مسلمين وغير مسلمين كذلك الواجبات المالية مقابل حماية الدولة لرعاياها وحفظهم داخليًا وخارجيًا. ومنها كذلك الواجبات العسكرية والدفاع عن أرض الدولة.
ويخصص الدكتور غرايبة القسم الثالث: زوال الجنسية في الشريعة الإسلامية واستردادها من خلال ثلاثة مباحث:
-زوال الجنسية بالتغيير: ويقصد به تغيير الجنسية بإرادة الفرد واختياره، وذلك بأن يسعى للحصول على جنسية أخرى، رغبة منه في التبعية إلى دولة اخرى، وللإقامة فيها، أو أنه يريد أن يجعل ولائه لمجتمع آخر لتشابع في العقائد والعادات والأجناس.
-زوال الجنسية بالتجريد: التجريد من الجنسية هو مصطلح قانون يُقصد به زوال الجنسية عن الفرد عن طريق الدولة، أي إن الدولة قد تلجأ إلى تجريد الفرد من الجنسية كعقوبة توقعها عليه بسبب ارتكابه مخالفة معينة ينص عليها الدستور، أو وسيلة تتخذها الدولة للتخلص من الأشخاص الذين لم يعودوا في نظرها جديرين بحمل جنسيتها والانتساب إليها.
-زوال الجنسية بالتعدد: ويقصد به وجود شخص يحمل جنسيتين مختلفتين او أكثر، وكل دولة تطالبه بواجبات وتكاليف معينة يقتضيها التجنس، مثل الخدمة العسكرية ودفع الضرائب وغيره.
وقد خلص الدكتور غرايبة في ختام بحثه إلى عدة نتائج:
أولاً: إن هناك نظرية عامة متميزة للجنسية في الشريعة الإسلامية، لها أسسها وأصولها المستقلة المستمدة من أهداف الشريعة وغاياتها.
ثانيًا:إن حجر الأساس في النظرية العامة للجنسية في الشريعة قد وضع منذ كتابة الوثيقة الدستورية الأولى التي صاغها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في السنة الأولى للهجرة.
ثالثًا: إن الجنسية في الشريعة الإسلامية تُمنح للشخص الاعتباري القائم في دولة الإسلام إذا تحققت فيه الشروط المطلوبة التي تنص عليها اللوائح الدستورية.
رابعًا: إن دولة الإسلام قد أوجدت منذ نشأتها وسائل الضبط الإحصائي والسجلات والوثائق الرسمية التي تثبت انتماء الفرد لدولة الإسلام.
خامسًا: إن هناك آثارًا مرتبطة بالجنسية على غاية من الأهمية والخطورة في مجال الحقوق والواجبات
سادسًا: إن بلاد الإسلام تبقى ديار إسلام في حالة غياب دولة الإسلام عن الواقع، ولا يجوز الانسلاخ عن جنسيتها والتجنس بجنسيات الدولة الأجنبية الكافرة لما في ذلك من الخطورة على مصلحة المسلمين وديارهم.
سابعًا: إن المسلم والذمي لا يفقدان جنسياتهما بارتكابهما المعاصي أو الجرائم بل يُعاقب المسلم بحسب ما قررته الشريعة من عقوبات وتعازير، ويعاقب الذمي حسب مقررات لوائح الدولة الدستورية.