أصول/ أركيولوجيا السياسي:
أنظمة القوة من القرن السابع عشر حتى الآن
إلياس خوسيه بالتي ELÍAS JOSÉ PALTI
سلسلة دراسات جامعة كولومبيا في الفكر السياسي والتاريخ السياسي
(وهي سلسلة تتخذ مدخلًا تاريخيًا إلى سياسات الأفكار المتعلقة بالقوة والحاكمية والمجتمع العادل)
يتكون الكتاب :
كلمة محرر السلسلة ديك هاوارد
صفحة الشكر
المقدمة: التاريخ المفاهيمي للسياسي ــ مشروع التعرف على الأصول
- الأصل اللاهوتي للسياسي
- المشهد المأساوي: الطبيعة الرمزية للقوة ومشكلة التعبير
- خطاب التحرر وظهور الديمقراطية بوصفها مشكلة: حالة أمريكا اللاتينية
- بعث المشهد المأساوي وظهور السياسي بوصفه مشكلة مفاهيمية
الخاتمة نهاية دورة طويلة ـــ التحرر الثاني للعالم من الأوهام
سؤال الفصل الأول: كيف صار اللاهوت لاهوتًا سياسيًا؟ ويتتبع أصول ذلك في الفترة بين عامي 1550 و 1650
قضية الفصل الثاني: بنية التفكير السياسي في عصر الباروك وتجليها في البنية الدرامية للمأساة:
مسألة الاختيار المفروضة على البطل المأساوي، بمعنى ماذا يفعل الفرد حيال اعتلاء طاغية العرش؟ هل يسعى إلى إحقاق الحق فيثور على الطاغية على حساب خرق القانون، وتدمير المجتمع الذي سيغرق في الفوضى، أم يسلك سلك المواطن الصالح فيبذل الطاعة الواجبة لسيده الطبيعي، على حساب خيانة ضميره وقبول “الدجال” حاكمًا؟
ويميز المؤلف بين مدخليّ التاريخ المفاهيمي و”تاريخ الأفكار”، فالأول لا يبدأ بالتعريف؛ بل يتشكل في أثناء الرحلة بمنطقها الداخلي، وليس مغزى الدراسة إعادة بناء جوهر السياسي بل الكشف عن أصله دائم التحور الذي يستعصي على الاختزال. والمفارقة التي يشير إليها محرر السلسلة أن تحورات مفهوم السياسي ترتبط بالمكان أكثر مما ترتبط بالزمان. على ما في ذلك من مفارقة تنبع من كلمة أركيولوجيا، وهي الأصول الأولى المرتبطة حتمًا بالتاريخ، لذلك فهو يرى أن المدخل التاريخي هو ما يميزه عن غيره ممن عرضوا لهذا الجدل. يبدي المؤلف اهتمامًا خاصًا بالتجليات الجمالية لمفهوم السياسي، كما يتضح من استخدامه أعمال كبار المصورين/ الرسامين وكتاب المسرح والموسيقيين المحدثين.
يعد المؤلف حركة الإصلاح الديني البروتستانتي التحرر الأول للعالم من الأوهام التي كسرت وحدة التمثيل الكاثوليكي لعالم حضور مقدس كامل. وبما أن القرن السابع عشر هو حد بداية الدراسة، فإن المؤلف ينظر إلى عصر الباروك بوصفه ما قدم العصر الذي أتاح شكلًا رمزيًا لجبر الكسر الذي أحدثه الانقطاع الأول في تاريخ المقدس بين الحال والمتجاوز. وهذا هو باب استكشاف أصول “السياسي” في ذلك العصر: عصر التمثيل الرمزي. ولا ينقطع استخدام المؤلف المنتج الفني في جهده في تتبع أصول السياسي، لأنه القادر على توحيد الحال والمتجاوز، رغم أن الشائع عن أصول السياسي هو أنه من ثمار عصر التنوير. ويشير المؤلف إلى أن الصيغة التوحيدية التي جاءت مع عصر الباروك اتخذت شكل الحكم الاستبدادي، كما تجلى في أسبانيا الإمبراطورية وحركة الإصلاح الديني المضادة.
ينتقل المؤلف من عصر الباروك إلى عصر التاريخ حيث مناطق الهيمنة الأسبانية في أمريكا اللاتينية، حيث يبرز الاختلاف بين الحاكم المطلق في عصر الباروك في أوروبا والحاكم السيد المطلق المستنير في العالم الجديد حيث برزت قضايا شرعية الدولة في فرض الضرائب، لتظهر مشكلة التمثيل القديمة في ثوب جديد، وحقوق الفرد، وهذه المواجهة هي ما خلقت مساحة لفكرة “الشعب”.
وكما يقول محرر السلسلة إن عرض “بالتي” (مؤلف الكتاب) التحديات المفاهيمية في عصر التاريخ يتخذ طابعًا سرديًا، ومع ذلك يظل اهتمامه مركزًا على المفاهيمي وليس التقليدي. ويستخدم “بالتي” مفهوم “مناهضة السياسة”، ويشير إلى أن نشأة هذه الإشكالية هي ما أدت إلى “عصر الصيغ/ الأشكال” وهي الأشكال والصيغ الشائعة حتى اليوم. وهي لحظة مفاهيمية جديدة تحول فيها ما كان خارج إطار السياسي مثل “المقدس” والوحدات الكبرى مثل “الشعب” و “الأمة” و”التاريخ” و”الثورة”، صارت ترتبط بالوهم والأسطورة؛ بل وربما الانحراف.وهنا توقفت محاولات حل إشكالية الحال والمتجاوز التي مثلت الإطار الحاكم لعصر التاريخ، وهذه هي اللحظة التي يسميها “بالتي” “التحرر الثاني للعالم من الأوهام”.
لم يقف الإدراك الجديد أمام محاولات البحث عن الوحدة بين طرفي الإشكالية، وفي هذا الإطار تأتي محاولات هانز كلسون وضع نظرية للقانون معيارية وشكلية خالصة، لكنها عجزت عن الكشف عن أصل المعايير التي تسعى إلى توكيدها. ويلي ذلك الحركة المضادة التي قام بها كارل شميت ومفهوم “التقرير الوجودي”. ويغلب على العرض الإيحاء باستحالة الوصول إلى حالة العدل، وهذا ما يغري بالمزيد من السعي. ولا يقدم “بالتي” في كتابه أكثر من إبراز الإشكاليات والنزوع التلقائي أو المتعمد لاندماج المفاهيم المتناقضة مما يهدد بانهيار مفهوم “السياسي” ذاته لأن عناصره نفسها تأتي من نسق شمولي.
ويرى المؤلف أن أهم ما في عمله هو شرح تطور مفهوم السياسي وبداية انفتاح أفقه بعد ميلاد سلسلة من الثنائيات تمخضت عنها ثنائية الحال والمتجاوز، ولم تكن معروفة من قبل. وبذلك تكون المفارقة في انبلاج أفق السياسي من العالم اللاهوتي الذي أتى ليزيحه. ويتلخص هدف الكتاب في السعي إلى تقديم صورة للتاريخ الفكري السياسي الحديث أدق مما تتيحه كتب التاريخ السياسي والفلسفة السياسية.
الفصل الثالث “خطاب التحرر”. يطرح الإشكالية أو المفارقة الساكنة في مفهوم الحاكم السيد الحديث. وتتلخص الإشكالية كما يراها المؤلف في أن الشخص الذي يفرض النظام أو يقيمه لابد أن يكون في موقع القادر على تغييره، وهذا هو عين تعريف السيادة. معنى ذلك أن إنهاء العنف يحتاج فردًا بوسعه ممارسة العنف بلا قيود. ويستخدم المؤلف النموذج الفني الدرامي على وجه الخصوص لتجسيد هذه المفارقة. ومن ذلك، اقتباسه من كتاب أصل التراجيديا الألمانية تأليف والتر بنجامين السؤال عن المواجهة التي تنطوي عليها المفارقة وهل هي “دراما طغيان أم تاريخ استشهاد؟” ويحتل موضوع امتلاك السيادة وكفاءة السيد وقدرته على اتخاذ القرار مساحة كبيرة من النقاش.
الفصل الرابع “بعث المشهد المأسوي وظهور السياسي بوصفه مشكلة مفاهيمية”. يرى المؤلف أن القرن العشرين شهد ردة إلى ثنائيات القرن السابع عشر، عصر الباروك وانفصل العدل عن القانون والمعنى عن التاريخ والعالم المحسوس الظاهر عن أفق الحس وانفصل عالم الأصول عن الحلول وانحازت مرة أخرى إلى التجاوز الذي سيعاد تعريفه بشكل جذري. ويحلل المؤلف طبيعة هذا التحول. في خط جدلي لا ينفك، يستخدم الأعمال الفنية لتوضيح مقصده وتجسيد طرحه. ويخلص إلى أن ثنائية الحال والمتجاوز تتآكل مع اكتشاف أن تحول اللاهوتي إلى سياسي كان مجرد وهم لأن السياسي لم يكن قط سوى محض اختلاق، وهكذا يبدأ مرحلة التحرر الثاني من الأوهام.
الخاتمة يخلص المؤلف من تحليله التاريخي إلى أن ظهور السياسي في القرن العشرين هو تعبير عن تحول كبير في التاريخي السياسي المفاهيمي وانقطاع عن مسار القرن التاسع عشر، الذي كان المثال الذي يرشده دمج الحال بالمتجاوز المقدس والدينوي. ومع ظهور السياسي عادة مشكلة التوسط، أو تدخل عامل فاعل خارج عن المجتمع نفسه. وينطوي هذا التوسط الحلولي على مفارقة تحتاج إلى تعبير اجتماعي. وقد جاء مفهوم التاريخ الاسم العلم لا العام، ليملأ هذا الفراغ أو يقوم بدور الوسيط.